مجلس التعاون الخليجي يبحث إمكانية تحوله الى اتحاد لمواجهة الخطر الايراني
المجهول عنوان المرحلة الجديدة في تاريخ المنطقة
عام الهلالين
كتب: جاد بعلبكي
زرعوا ورود الحرية في «الربيع» فحصدوا اللحى الطويلة والقصيرة في صناديق الاقتراع. هكذا ينتهي عام «الثورات» العربية، إذا كان قد انتهى. والمعادلة التي ترتسم في أفق العام الجديد لا تسمح بالكثير من الاجتهادات، لأن العالم العربي، مشرقه ومغربه، بات محشوراً بين هلالين، هلال سني في مصر والمغرب العربي وتركيا يتلمس امتداداته في الخليج، وهلال شيعي كثر الحديث عنه في السنوات الأخيرة، هو أقرب الى «القوس الايراني». وما بين الهلالين مستقبل مرهون لاجتهادات الاسلاميين والسلفيين حتى اشعار آخر.
الانسحاب الأميركي من العراق، في نهاية العام، كشف بصورة مذهلة حجم التصدعات الوطنية بعد ثماني سنوات من الاحتلال. ما أن عبر آخر جندي أميركي الحدود العراقية في اتجاه الكويت حتى طفت الخلافات الكامنة على سطح المشهد السياسي، فعلقت «الكتلة العراقية» حضور جلسات الحكومة والبرلمان مطالبة باسقاط شرعية الحكومة، في الوقت الذي أعلن رئيس الحكومة نوري المالكي عزمه على محاكمة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي وعدد من أفراد حمايته، لأنهم متورطون في أعمال ارهابية، بالاضافة الى عزل نائبه (نائب رئيس الحكومة) صالح المطلك تمهيداً لمحاسبته.
هذا الفرز المفاجئ يعني أن عراق ما بعد الأميركيين، يبحث عن توازن جديد كان مفقوداً منذ العام 2003 تاريخ الغزو، وأن المعارضة العراقية (السنية تحديداً) تبحث عن «سلطة ما» في عراق ما بعد الاحتلال، وأن «الاستقرار النسبي» الذي عاشه العراق في وجود الأميركيين ولّى الى غير رجعة.
وفي البحث عن الأسباب القريبة والبعيدة للانفجار الذي حصل، لا بد من العودة الى بعض المحطات الخلافية:
- نقطة الانطلاق تتمثل بطبيعة الحال في شعور شريحة واسعة من العراقيين، في مرحلة ما بعد 2003 بأنها مستهدفة أو على الأقل مهمشة، وأن موقعها في السلطة لا ينسجم مع طموحاتها، ومشروع محاكمة الهاشمي وعزل المطلك، يعني استهداف شخصيتين سنيتين من أبرز قيادات «العراقية»، وهي تكتل يضم 82 نائباً من أصل 325، و9 وزراء من أصل 31.
- النقطة الثانية تتصل بمطالبة المحافظات ذات الأكثرية السنية بالتحول الى أقاليم مستقلة، وهي مطالبة تشكل ترجمة سياسية لبحث هذه المحافظات عن «سلطة أوسع». الأقلمة بهذا المعنى تعبير عن رفض الصيغة السياسية القائمة، والسعي الى «استقلال ما» عن هذه الصيغة. وتنص المادة 19 من الدستور العراقي على أنه «يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين اقليم بناء على طلب يتم الاستفتاء عليه». في الوقت نفسه تشير المادة 120 الى أن الاقليم يقوم «بوضع دستور له يحدد هيكل سلطة الاقاليم وصلاحياته وآليات ممارسة تلك الصلاحيات على ألا يتعارض مع الدستور».
المطالبة بالفدرالية هنا تعني خوف شريحة عراقية معينة، هي الشريحة السنية، من هيمنة شريحة أخرى على الحكم، في مرحلة ما بعد خروج الأميركيين، وسط تصاعد الكلام عن «تسلط حكومة المركز». ومعروف ان عدداً من كبار السياسيين العراقيين، من بينهم رئيس مجلس النواب (أسامة النجيفي) ونائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) يعتبرون أن الدعوة الى تشكيل الأقاليم دستورية وأن تنفيذها مسألة مشروعة.
- النقطة الثالثة تتصل بحجم الخلافات التي نشأت خلال وبعد المعركة الانتخابية الأخيرة، والثغرات التي ظهرت في الدستور حول طريقة احتساب «الأكثرية النيابية» أولاً، ثم الصراعات التي تفجرت في مرحلة تشكيل الحكومة، حول الوزارات الأمنية بصورة خاصة، وصلاحيات مجلس الاستراتيجيات الأعلى الذي كان يفترض أن يعهد به الى زعيم القائمة العراقية إياد علاوي، بناء لاتفاق أربيل، وهو اتفاق لم يطبق إلا بصورة جزئية منذ ولادته.
- النقطة الرابعة تتصل بالسياسة الخارجية للحكومة العراقية، وبصورة خاصة مع جيران العراق، وحسابات ما بعد الثورة الاحتجاجية السورية التي تزامنت مع عام الانسحاب الأميركي، وطبيعة العلاقات الأميركية- الايرانية- العراقية في هذه المرحلة، والاستحقاقات المترتبة على غليان المشهد الاقليمي ككل.
على وقع هذه الاستحقاقات المتزامنة شهدت بغداد انفجاراً داخل المنطقة المحصنة (المنطقة الخضراء) كان موضع اهتمام سياسي واسع. بعض التقديرات قالت ان المستهدف هو اسامة النجيفي رئيس البرلمان، وبعضها الآخر أكدت أن المستهدف الحقيقي هو نوري المالكي رئيس الحكومة... وقد وزعت اجتهادات أخرى تقول إن كليهما كان مستهدفاً. ولأن المالكي والنجيفي، بحكم موقعهما، رمزان وطنيان، ولأنهما على خلاف حاد، فإن الحادث أدى الى تراشق بالاتهامات، محوره تدبير محاولات اغتيال واضحة المعالم من أجل مصالح فئوية أو شخصية.
في ضوء هذه المعطيات يمكن ادراج تصريحات نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، التي وصف فيها المالكي بأنه «دكتاتور لا يبني». وفي ضوئها أيضاً يمكن قراءة تصعيد الخطاب السياسي بالتزامن مع الانسحاب الأميركي، وكأن المقصود شن حملة وقائية على أسلوب حكم العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب.
ويذهب قادة «العراقية» الى حد القول ان المالكي اختار هذا التوقيت لتأكيد انفراده بالسلطة وتجريد خصومه من مواقع القوة, فيما يذهب قادة «دولة القانون» الى ان قيادات العراقية ومن بينهم علاوي والهاشمي والمطلك يضغطون انسياقاً لارادات اقليمية من اجل تكريس نظرية الاقاليم وتجريد الحكومة من صلاحياتها وشرعيتها. وبصرف النظر عن صحة اي من الاتهامين، فان ما يمكن ان تستنتجه الاطراف العراقية مجتمعة في هذا الشأن، انها استمرت في تعليق خلافاتها وتأجيلها، وانها مضت في اسلوب التغاضي عن فهم الدستور وتأصيل مفاهيمه الى محاولة الالتفاف عليه والانتقاء من نصوصه، حتى حصل ما حصل.
والاعترافات التي بثتها الشاشة الرسمية العراقية لعناصر حماية الهاشمي، التي انتقدها رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، لم تجب عن سؤال مفاده: هل تثبت الاحداث الحالية ان كل الاضطراب الامني العراقي ينتمي الى خلفية سياسية؟ واذا كانت الاجابة عن هذا السؤال بالايجاب، فإن ما يتبعه اخطر، لأن من الصعب تصور تحمل طرف عراقي واحد جريرة كل هذا العنف اليومي الذي يتراكم في الشوارع العراقية منذ سنوات.
مرحلة صعبة
ومكمن الخطورة في الازمة الحالية يختصر في أن الخيارات المتاحة كلها خطيرة:
• انسحاب العراقية من المشهد السياسي يعني بالضرورة انهاء معادلة التوافق في ادارة البلاد في مرحلة حساسة، ما ينذر بتصاعد القطيعة على المستوى السياسي والاجتماعي بين الحكومة والمحافظات السنية وتدعيم وجهة نظر الاطراف الداعية الى الانفصال.
• نجاح العراقية في سحب الثقة من حكومة المالكي يعني بداية صراع سياسي جديد لن ينتهي قبل الانتخابات المقبلة حول تشكيل الحكومة الجديدة.
• اجراء انتخابات مبكرة يتطلب توافقات ليست موجودة في الاساس في هذا الوقت ما يترك الوضع السياسي المضطرب مفتوحاً الى امد غير منظور ويوحي بأزمة تفرخ أزمات.
• نجاح المبادرات الداعية الى التهدئة والحوار السياسي قد يطرح كماً هائلاً من الاسئلة حول مصير الاتهامات التي وجهت الى اطراف الازمة، خصوصا ما يتعلق باتهام الهاشمي بالتورط في اعمال ارهابية.
إنه الفصل العراقي في تركيبة الهلالين السني - الشيعي على امتداد المنطقة، في الوقت الذي تشهد الساحة السياسية العالمية تحولات كبيرة على مستوى التحالفات الاستراتيجية، تتراجع معها أدوار القوى العظمى لمصلحة أدوار اقليمية نافرة أحياناً.
وليس سراً أن ايران سعت وتسعى لأن تكون «القوة الاقليمية العظمى» في المنطقة، وأن مصر والسعودية تصدتا ولا تزالان لهذا المسعى، وهما تسعيان الى استقطاب تركيا كلاعب مؤثر يحظى بثقة الغرب قبل الشرق، علماً أن النفوذ التركي المتنامي في المنطقة يهدد المشروع الايراني. وقد أفرزت «ثورات» الربيع العربي قوى سلفية وسنية جديدة في مصر والمغرب العربي، تتلاقى مع التجمع الخليجي المناهض لايران الذي يحاول صياغة تحالفات جديدة، كما مع تركيا على المدى المتوسط، ويمكن أن تحدث انقلاباً في موازين القوى يحد من النفوذ الايراني، في الوقت الذي تستعد الدول العظمى لاعادة صياغة تحالفاتها في ضوء هذه المعادلات.
وفي الاستدلال على حجم التحولات في المشهد الجيوسياسي الجديد يمكن التوقف عند نتائج الانتخابات التونسية والمصرية والمغربية، والنتائج المرتقبة لهذه الانتخابات في ليبيا والجزائر، والاعصار السلفي الذي تواجهه سوريا منذ آذار (مارس) 2011.
والسلفية خطر حقيقي لا يهدد الآليات الديمقراطية فحسب وانما يهدد الاسلام نفسه.
ولم يعد سراً أن الاسلاميين بصورة عامة، اختطفوا الثورات العربية، بشهادة الأقربين والأبعدين.
هل تذكرون جون برادلي، الصحفي البريطاني المعروف الذي أصدر في العام 2008 كتابه الشهير «من داخل مصر: أرض الفراعنة على حافة ثورة»، هذا الكتاب كان الأكثر دقة في التنبؤ بالثورة المصرية، وقد منع الكاتب وكتابه بعدها من دخول مصر، رغم أنه عاش أكثر من عقدين من الزمن فى القاهرة مراسلا لصحيفة «الديلي ميل» البريطانية وكذلك «جويش كرونكيل»، ومحتكا بالناس في الاحياء الشعبية نظرا لإجادته التامة للغة العربية والعامية المصرية.
بعد مرور عام على ما يسمى بـ«الربيع العربي» يعود جون برادلي مرة أخرى بكتاب جديد نشر في الولايات المتحدة بعنوان «بعد الربيع العربي: كيف أختطف الإسلاميون الثورات العربية». يعود برادلي ويقول أنه كانت مفاجأة سارة بالنسبة اليه ليس قيام الثورة المصرية، فقد كان متأكدا من وقوعها، ولكن المفاجأة السارة كانت قيادة التيار الليبرالي المنفتح الثورة، لكن ريما عادت الى عادتها القديمة كما يقولون، ورجعت الثورة الى المسار الذي توقعه لها، وبمعنى أوضح اختطفت الثورة عن طريق الإسلاميين. هنا يقرر برادلي أن الكلام عن وجود إسلاميين معتدلين هو من قبيل الأساطير، فكلهم واحد وما بينهم توزيع أدوار واختلافهم مثل اختلاف العلامة التجارية للمنتج الواحد. ويقول برادلي ان الإسلاميين في تقديره هم كالفاشيين الأوروبيين يستخدمون البلطجة للوصول إلى أغراضهم،وهذا يذكرنا بمقالة فوكوياما في مجلة «نيوزوييك» في كانون الاول (ديسمبر) 2001 بعنوان «الفاشيون الإسلاميون الجدد». ويضرب برادلي مثلا أنه لا يوجد فى مصر قانون لفرض الحجاب على السيدات وقبل العام 1980 كانت معظم سيدات مصر لا يرتدين الحجاب لكن الآن وتحت ضغوط الفاشية الإسلامية وأتهاماتهم الموجهة لغير المحجبات وتهديدهن أصبحت معظم السيدات المسلمات في مصر محجبات، فالمشكلة ليست فى القوانين ولكن فى الممارسات الفاشية خصوصاً ما يطلق عليها برادلي «الفاشية الثقافية». وعن علاقة الغرب بالأنظمة الجديدة يقول ان الغرب يكرر اخطاءه بشكل غبي كما حدث فى افغانستان في العام 1989 وقبلها فى إيران في العام 1979 ، وسوف يساند الغرب الإسلاميين الجدد وسيعانى منهم مستقبلا. ولا يفوت برادلى تقرير حقيقة مهمة وهى أن السعودية تقود الثورة العربية المضادة فى المنطقة، وأن السعودية وقطر حولتا مبالغ طائلة الي الاسلاميين المصريين.
برادلي يقرر أنه غير ملم بدقة بتفاصيل حالات «الربيع العربي» في كل الدول التي اجتاحها، ولهذا يركز على تونس التي زارها ويعرفها، وعلى مصر التي يعرف دقائق الحياة اليومية فيها. يبدأ الكتاب بفصل بعنوان «موت العلمانية التونسية» يتحدث فيه عن الحقوق المدنية وحقوق المرأة في تونس البورقيبية ثم التحديات التي تواجه العلمانية التونسية تحت حكم النهضة. ينتقل بعد ذلك إلى مصر في فصل يتحدث عن مستقبل مصر الإسلامية.
وما يقوله برادلي ليس بجديد، ولكنها نظرة من خبير غربي محايد تلقي الضوء على مستقبل مصر، وربما على مستقبل المنطقة.
إنه اذاً «ربيع الاسلاميين»، ومعروف أن هناك ثلاث لحظات مفصلية عرفها الاسلام في العقدين الأخيرين، اولى هذه اللحظات هي اللحظة الراديكالية التي دشنتها الثورة الايرانية على يد آية الله الخميني، وانتهت بتقديم طراز جديد من الحكم على صعيد المرجعية، كما على الصعيد المؤسساتي. اللحظة الثانية كانت في الأساس عربية واتسمت بطابعين رئيسين: طابع الراديكالية والعنف الذي دشنته الحركة الجهادية التي تولت اغتيال أنور السادات، وتجربة الاسلام المسلح في الجزائر وما تلاها من نشوء «القاعدة» عبر من عرفوا باسم «الأفغان العرب». واللحظة الثالثة وهي تمثل الصعود الاسلامي المثير في «الثورات العربية» الأخيرة، في توقيت غير مرتقب أطاح زين العابدين بن علي، وبعده حسني مبارك، وأنهى بصورة دراماتيكية مرحلة معمر القذافي، وزعزع الوضع في اليمن، وهو يحاول إطاحة النظام السوري. والسمات الأولية لهذه اللحظة من عمر الإسلام السياسي، اندراجها في لعبة توافقية على صعيد الداخل والخارج، واحتماؤها بزخم «الثورات العربية» التي تجنبت الخطاب المألوف والتاريخي للإسلام السياسي، في ما يتعلق بالغرب وإسرائيل، وعدم معاداتها التوجه الرئيسي للعولمة وما تحمله من عناوين طالما رفعها الغرب، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص من شعارات مثل الحرية والديمقراية وحقوق الإنسان.
إن الصعود الفعلي للإسلاميين إلى السلطة في تونس والمغرب، وفي ليبيا ومصر، وربما في اليمن سيجعل من العالم العربي يعيش موجة شاملة من حكم الإسلاميين الذين طالما رفعوا شعار الإسلام هو الحل على أنقاض تجارب القوميين والعلمانيين الذين حكموا لعقود تارة باسم الثورة المعادية للاستعمار وتارة باسم التقدم، وتارة باسم القومية والوحدة العربيتين. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم على النخب السياسية والثقافية، ما الذي تغير في هذه الصيرورة التاريخية للمنطقة العربية؟! الإسلاميون أم المصالح؟ أم نظرة القوى العظمى؟! على مستوى الظاهر، العالم تغير بمن فيهم الإسلاميون والقوى العظمى والحكام التقليديون الذين حكموا شعوبهم وفق مقتضيات فترتي الحرب الباردة وما بعدها، وهذا ما يقودنا الى تساؤل آخر، وهو، هل ما يعيشه العالم العربي، هو بالفعل يعبّر عن ربيع ثورات عربية أم يعبّر عن ربيع الإسلاميين؟ إن ما يحدث على الأرض، يدفعنا إلى القول، إن ما يتم هو ربيع إسلاميين أكثر مما يعبّر عن ثورات عربية، وما يثير المخاوف، أن مشروع الإسلاميين قد تم اختزاله في لعبة حكم ليس بالضرورة، هو حكم مستقل على مستوى الرؤية واتخاذ القرار عن دائرة القوى العالمية المهيمنة، وقد يتحجج الإسلاميون الجدد بأن ما حققوه أو يسعون إلى تحقيقه اليوم ضمن السياقات التاريخية الجديدة، هو ثمرة نضالاتهم الطويلة وتضحياتهم الكبرى وصبرهم المديد واقتناعهم الطوعي أو شبه المفروض بالإتكاء على الواقعية السياسية التي قد تحقق لهم ما لم يحققه لهم نضالهم وجهادهم الشرسين. لكن هذا التحجج يبقى منقوصا إذا ما لم تحدث القفزة النوعية داخل منظومة الفكر كنظرية ومعرفة كمقدمة لسلوك سياسي واستراتيجي يتصف بالقطيعة والقدرة على ابتكار سياسات بديلة من شأنها فتح صفحة جديدة في حياة شعوبها، هي صفحة الحرية والمواطنة والعدالة، وكرامة الأفراد والجماعة الوطنية.
نعود الى العام 2012 الذي يمكن أن نطلق عليه بوضوح لقب «عام الهلالين». الهلال الأول يمكن اختصاره بالمشروع الايراني الذي لا يمتد الى العراق وحده وانما الى الدول العربية المجاورة لايران في الخليج وما بعد الخليج، بقدر ما يحاصر الاستراتيجيات الغربية (الأميركية والأوروبية تحديداً) في المنطقة. والهلال الآخر هو «الهلال السني» أو الدائرة السنية التي بدأت تكتمل في «أعقاب ثورات الربيع» العربي. والخطر الذي يهدد «الهلال الشيعي» كما يهدد «الهلال السني» هو المجهول الذي يمكن أن تصفه الاسترايتيجات الغربية أو المصالح الدولية على اختلافها، وفي أن التمزقات المذهبية على امتداد المنطقة هي نقيض الايديولوجية القومية العربية الجامعة، أنها أقرب الى الشعبوية منها الى النخبوية الواعية، وهي لا تحمل أي يقين بقدر ما تحمل معنى اللايقين الدائم.
ومن الواضح ان العام 2011 أسقط مقولة ان النخبة (عسكرية ومدنية) وهي التي تتحكم ولو بشكل سلطوي بمقدرات الشعوب. كما أسقط مقولة ان الأنظمة القمعية قادرة على الدفاع عن نفسها وديمومتها. والحقيقة الكبيرة التي كرسها هي أن الخطر المحدق بالأنظمة الحليفة للغرب لا يتمثل فقط في «الهلال الشيعي»، لأن هناك هلالاً آخر لا يقل خطورة علي مستقبل المنطقة ومستقبل المصالح الغربية في آن، هو «الهلال السني».