لسيدة ليلي مرزوق السيد.. دخلت دائرة الضوء فجأة بعد حادث استشهاد ابنها خالد سعيد علي يد أمناء الشرطة في6 يونيو2010 حتي اختارتها أخيرا اليابان لتكون سيدة عام..2011 بعد مرور عام تقريبا علي ثورة يناير التي بدأت شراراتها من تحت شرفة منزلها.
أم خالد سعيد تفتح قلبها للأهرام وتتحدث عن أيام طويلة ثقيلة الخطي:
لم يكن خالد ناشطا سياسيا لكنه كان معترض علي جميع الأوضاع والفساد وكان دائم التواصل عبر الانترنت والشبكات الاجتماعية ليعبر عن رفضه وليتعرف علي الحقائق التي لا تقدمها وسائل الاعلام, فكلما كنت أدعوه لمشاهدة بعض الأخبار أو الأحداث كان يرفض ويقول لي تعالي وأنا أريك علي الانترنت كل حاجة, هنا هتلاقي كل اللي عايزه تعرفيه وكنت كثيرا ما أرفض وأدعو الله أن يحفظه.. لكن قبل الحادث مباشرة دعاني لمشاهدة الفيديو الشهير الذي يظهر فيه قاتليه وهم يقتسمون غنيمة من الحشيش وأمواله, وهنا شعرت بقلق شديد عليه وسألته انت مش خايف علي نفسك يا خالد فرد علي بابتسامة هادئة أخاف من أيه ماتخافيش علي وفي اليوم التالي وقع الحادث وعلمت تفاصيل ما تعرض له ابني, هنا تذكرت مواقفا عدة لم أكن لأدركها في وقتها, منها انه أجاب في أحد المرات علي احدي صديقاتي وهي تداعبه بشأن الزواج قائلا: أنا فرحي هتمشي فيه اسكندرية كلها ومصر كلها كمان, كما أنه قبل الحادث بساعات كان متوترا ودخل علي بعد صلاة العصر وأنا أقرأ في المصحف الشريف وقال لي: أدعي لي أنا هأموت وقلت له: ليه بتبشر علي نفسك يا ابني انت لسه صغير28 سنة وخرج وعاد مرة أخري وكرر نفس الطلب.. كذلك تذكرت انه قد وضع بعض الملفات الخاصة به علي كمبيوتر أخته زهرة الجديد والذي لم يستخدم أبدا حتي حادث مقتله فقمنا بفتحها ووجدنا من ضمنها ثلاث أغنيات كان قد ألفها في عام2007 مطلع أحدها متزعليش يا أمي.. أنا هأموت شهيد... وأدركت ان الله قد اختاره ليجنده لتلك المهمة.
هل تعتقدين ان الحادث الذي تعرض له خالد كان اشارة لقيام أمر مشابه كثورة حقيقية تطيح بنظام الحكم ؟
لم أكن أتصور أن مثل هذا الأمر ممكن أن يحدث من قريب أو من بعيد إلا أني بتذكر الأحداث المتتالية أجد أن شرارة الثورة بدأت منذ7 يونيو تحديدا اليوم التالي للحادث حيث أحتشد الآلاف أمام منزلي وكنت أراهم من شرفة بيتي وهم يرددون يسقط النظام ونفس الشيء أمام قسم الشرطة واستمر الأمر لفترة طويلة إلي أن جاءت ثورة يناير والتي كانت مرتبة ومنظمة من قبل الشباب بعكس الأحداث التي تلت مقتل خالد حيث رأي كل شاب نفسه في خالد وانه يمكن ان يتعرض لنفس الموقف بالاضافة الي ان العديد تعرضوا للقبض عليهم وتلفيق التهم لهم وتهديدهم فكانوا يخرجون ليأكدوا ان حملة التشويه التي تعرض لها خالد علي يد وسائل الاعلام هي حملة مغرضة لتشويه سمعة شهيد بين يدي ربه.. لذا بدأت بمساعدة أبنائي زهرة وأحمد في متابعة صفحة كلنا خالد سعيد وفي التواصل مع الشباب من خلالها وحين علمت بأمر التظاهر يوم25 يناير كنت أحثهم يوميا علي الاحتشاد في هذا اليوم وأنا أيضا نزلت ميدان التحرير منذ اليوم الأول وكنت أتواجد في العمارة الكبيرة التي يتواجد بها المراسلين الأجانب في منزل رجل شريف كان يفتح بيته للمتظاهرين علي مدار24 ساعة وكنت أجلس مع الشباب وكانوا يقولون لي خليك معانا يا ماما واحتفلت معهم بعيد ميلاد خالد يوم27 يناير وأعددت لهم بعض الأطعمة.. كنت أبقي كل يوم بالميدان حتي الثالثة صباحا لكني يوم28 قضيت الليل هناك لشعوري بالارهاق وشاهدت بعيني الجرائم التي ارتكبت في حق الشباب الذي خرج ليقضي علي الفساد والظلم.
وتضــيف الســـيدة ليلي: فاجأني بالزيـــارة بعد ذلك بفـــترة د. محمد البرادعي لتقديم العزاء وصلي بالآلاف صلاة الغائب بالجامع, لقد تأثرت كثيرا بزيارته وكلماته, كما علمت ان مينا دانيال, كان من بينهم هو أيضا صلي صلاة الغائب علي روح خالد بمسجد سيدي جابر لكن لم يحالفني الحظ لمقابلته الي أن سمعت باستشهاده في أحداث ماسبيرو فجئت لأعزي والدته.
هل شعرت بالرضا والسعادة يوم11 فبراير عند تنحي الرئيس السابق ؟
نعم فرحت جدا وشعرت أن هذا الخطاب كان نهاية ظلم عشناه علي مدي سنوات لكني أدركت بعد ذلك أن التغيير لا يأتي في يوم وليلة وان أمامنا كثير من الوقت لنتخلص من الظلم نهائيا فالعنف المستخدم الآن ربما أكثر من المستخدم سابقا حتي أني أحمد الله أن خالد لم يتعذب كثيرا ووافته المنية في نفس اليوم بينما غيره من الشباب يتعذبون لأيام وأيام وربما يمرون بأوقات يبقون فيها بين الحياة والموت حتي يستشهدوا لكني لا أزال أحلم كثيرا بصرخات خالد التي سمعت انه صرخها اثناء الاعتداء عليه فأسمع صوته جيدا واستيقظ من نومي وأنا أناديه لكن سرعان ما أدرك أنه بين يدي ربه فأناجيه استريح يا خالد يا حبيبي.
تصف أم الشهيد رأيها في محاكمة قاتلي ابنها: لم أشعر بالضيق من الحكم المخفف الذي يثير التعجب فربما السبع سنوات التي قضوا منها سنتان تقريبا أفضل من حكم بالاعدام, فالموت راحة لهم أما حياتهم بالسجن وخارجها فلن تكون سهلة والله سبحانه وتعالي سينتقم منهم بلا شك.. نفس الشيء بالنسبة لمحاكمة حسني مبارك ومن معه فهي مسرحية لكني أعلم تماما ان انتقام ربنا سيكون بحجم الظلم والفساد الذي عاشه الشعب المصري علي مدي سنوات.. لكني فقط أتمني أن يتم التعامل مع الشباب المقبوض عليهم كما يعامل المخلوع في مشفاه.
أخيرا تقول السيدة ليلي مرزوق: لو كان خالد حيا لكان وسط هؤلاء الشباب يدافع عن بلده بروحه ودمه, لكني متفائلة برغم كل الأوضاع السيئة فبرغم كل شيء نحن الآن أفضل مما مضي بكثير والثورة مستمرة فلن تنتهي إلا بعد القضاء الكامل علي النظام البائد حتي آخر ذيل له.
أخت الشـــهيد مينا دانيال جيفارا مصـــر
مينا دانيال.. طالب في العشرين من عمره, سقط شهيدا لأنه كان يحلم بمستقبل أفضل لوطنه.. أخته ومربيته ماري ابراهيم دانيال حنا ماما كما كان يناديها تروي للأهرام كيف تعرض للعنف والأذي وظل يدافع عن مصر حتي آخر قطرة دم وكيف توقفت حياة عائلته باستشهاده في حين يتهم الجميع الثوار بأنهم يوقفون حال البلاد:
ابني وأخي مينا كان ناشطا ومعترضا علي أحوال الفساد مثله مثل شباب كثيرين رفضوا الظلم وقرروا أن يشاركوا في تغيير مستقبل مصر.. كنت أشاركه في مسيرات مثل تلك التي أعقبت أحداث نجع حمادي والقديسين لكنه كان دائما يقول إن قضية الأقباط جزء من قضية الوطن, فكان يعمل علي جميع المستويات, كما كان مهموما بقضية الفقر حتي أطلق عليه جيفارا مصر لأنه انتهج نهجه في محاربة الفساد والطبقية فكان همه الأول هم الفقراء.. وبرغم أني لم أكن أعلم بجميع أنشطته إلا أنه كان يروي لي من وقت لآخر أحداث متفرقة مثل ما حدث مع الشهيد خالد سعيد رحمه الله.
لم أنصحه بالعدول عن مواقفه ونشاطه إلا أنه بعد اندلاع الثورة تعددت اصابته, ففي يوم28 يناير أصيب برصاصتين رش, ومرة أخري برصاص حي في قدمه, وبدأت أخاف عليه فكان يطمئنني حتي أنه عاد يوما وعينه مصابة ووجهه يبدو عليه آثار الضرب وعندما سألته قال لي إنه أثناء الجري اصطدم بكابينة تليفون حتي أظن أنه لا يتعرض لأذي مباشر من قبل قوات الأمن.
تروي السيدة ماري تفاصيل يوم الاستشهاد بمرارة: اصطحب مينا خطيبته كاترين الي المسيرة وطلبت منه أن ينتظر حتي أرافقهما لكنه قال لي إن المسيرة طويلة وسوف يسبقاني وطلب مني أن أتصل به عندما أصل وطلبت منه أن يعتني بكاترين فقال لي كلماته الأخيرة: دي في عينيا وعلمت بعد ذلك أنه عندما تصاعدت الأمور طلب منها أن ترحل بمرافقة والدها الذي كان متواجدا هو الآخر عند ماسبيرو.. حاولت كثيرا الاتصال به أنا واخوته لكنه لم يكن يجيب فتملكني القلق الشديد وكنت أبحث عنه بين الجثث التي كانوا يخرجونها من المشهد في دفعات لكني لم أجده وذلك لأنه كان من بين أول خمس حالات تصل للمستشفي القبطي لأنه كان في الصفوف الأولي.. استشهد مينا بعد لحظات كما روي لي لأنه أصيب بطلق ناري من أعلي الكتف خرج من أسفل الظهر من الجهة الأخري أي أن الطلق حسب التشريح أخذ شكل مثلث مما أدي الي انفجار كامل في الأحشاء في لحظتها وعندما ابلغوني بأنه في المستشفي كان قد مر كثير من الوقت فعندما وصلت كان قد لاقي ربه منذ فترة طويلة.
تضيف غاضبة: مينا لم يقتل برصاص عشوائي لأنه دخل أكثر من مرة في مواجهة مع قوات الأمن وكان اسمه علي رأس قائمة المتهمين في الأحداث لذلك أعتقد أنه كان مقصودا بشخصه.. لكني أتذكر دائما كلماته التي كان يرددها لي الحرية غالية.. ثمنها دم فحالي مثل حال أمهات وأسر شهداء كثيرين سقطوا دفاعا عن الحرية. أتعجب كثيرا ممن يتهمون الشباب بأنهم وقفوا حال البلد فالحقيقة نحن من توقفت حياتهم وتوقفت عقارب الزمن بهم, ما معني حياتنا الآن وقد أستشهد أبناؤنا بمنتهي البشاعة؟ لا أمل لنا إلا في لقاء قريب بهم وحساب عادل للمعتدي والظالم لكن العدل لا يضيع أبدا عند الله.. عل الله أن يذيقهم من نفس الكأس الذي تجرعناه بأيديهم الغاشمة.
وأخيرا تقول ماري دانيال متعجبة: إلي متي سنظل ندفع فاتورة أخطاء الغير؟ الي متي سندفع دما؟ الي متي ستظل مصر تذيق طعم المرار لأبنائها؟ لكن برغم قتامة المشهد إلا أني أكثر المتفائلين فمازال في مصر شباب رجاله وفرج الله قريب وكل شهيد راح سنأخذ حقه ولا أعني هنا الفلوس التي يتحدثون عنها فمينا كان يقول الحرية ثمنها دم وأنا أقول إن ثمن الدم ليس فلوسا, حق مينا وأمثاله من الشهداء أن تصبح مصر كما كانوا يحلمون بها وماتوا فداءها.